جرائم القدح والذم والتحقير بصورة إلكترونية.
- TRP
- Jul 18, 2021
- 6 min read
الطالب محمد خير أبو سويلم - كلية القانون (جامعة العلوم الإسلامية العالمية).
إن الجهل بالقانون لا يعتبر عذراً لمن يرتكب أي جرم، لذلك يجب أن نكون مطلعين على نصوص القانون لتنفادى أي أخطاء ، وذلك حسب نص المادة (85) تحديداً من قانون العقوبات الاردني رقم (16) لسنة 1960 ، ظهر في عالم الجريمة نوع جديد من الجرائم، يُرتكب عبر الوسائط الإلكترونية، مواكباً لنشوء نظم الحواسيب وتطورها وثورة التكنولوجيا المعلوماتية ما يُعرف ب ( الجرائم الالكترونية ) ، فأصبحنا في ظل انتشار تكنولوجيا المعلومات أكثر عرضةً للوقوع كضحايا لمثل هذه الجرائم التي تعتبر وليدة التطور التكنولوجي الحديث .فهي التي تتم بإستخدام جهاز الكمبيوتر من خلال الاتصال بالإنترنت هدفها اما إختراق الشبكات او المواقع الالكترونية أو اتلافها أو الابتزاز وغيرها، أشهرها بل أكثرها وقوعاً وانتشاراً هي جرائم الذم والقدح والتحقير الإلكتروني ، فقد صدر قانون الجرائم الالكترونية رقم (27 )لسنة 2015 ليصبح جزءاً من منظومة التشريعات الجزائية الأردنية ، وجرّم هذا القانون في المادة (١١ ) منه الذم والقدح والتحقير الألكتروني.
إن الاستناد إلى قانون الجرائم الالكترونية وحده (كونه قانون خاص) دون الرجوع للقواعد العامة في قانون العقوبات المتعلقة بجرائم الذم والقدح والتحقير هو استناد غير صحيح وغير منطقي لخلو قانون الجرائم الالكترونية من أي اشارة الى مفهوم هذه الجرائم وأركانها وعناصرها بل حتى أحكامها الاجرائية ، فلابد من العودة لكل من الاحكام العامة الواردة في قانون العقوبات التي عرفتها وبينت أركانها وعناصرها المادية ولقانون أصول المحاكمات الجزائية بخصوص أحكامها الاجرائية لأن (الخاص يقيد العام ) ، فنظم المشرع الأردني أحكام جرائم الذم والقدح والتحقير بقانون العقوبات ابتداءً باعتبارها من الجرائم الماسة بالحرية والشرف حسب النصوص الأتية : نص المادة (188) :
1 – الذم : هو إسناد مادة معينة إلى شخص – ولو في معرض الشك والاستفهام – من شانها أن تنال من شرفه وكرامته أو تعرضه إلى بغض الناس واحتقارهم سواءً أكانت تلك المادة جريمة تستلزم العقاب أم لا .
2 – القدح : هو الاعتداء على كرامة الغير أو شرفه أو اعتباره – ولو في معرض الشك والاستفهام – من دون بيان مادة معينة .
3 – وإذا لم يذكر عند ارتكاب جرائم الذم القدح اسم المعتدى عليه صريحا أو كانت الاسنادات الواقعة مبهمة، ولكنه كانت هنالك قرائن لا يبقى معها تردد في نسبة تلك الاسنادات إلى المعتدى عليه وفي تعيين ماهيتها وجب عندئذ أن ينظر إلى مرتكب فعل الذم والقدح كأنه ذكر اسم المعتدى عليه وكأن الذم أو القدح كان صريحاً من حيث الماهية .
المادة (189) :لكي يستلزم الذم أو القدح العقاب، يشترط فيه أن يقع على صورة من الصور الآتية:
1 – الذم أو القدح الوجاهي، ويشترط أن يقع: أ . في مجلس بمواجهة المعتدى عليه .ب . في مكان يمكن لأشخاص آخرين أن يسمعوه، قل عددهم أو كثر .
2 – الذم أو القدح الغيابي، وشرطه أن يقع أثناء الاجتماع بأشخاص كثيرين مجتمعين أو منفردين .
3 – الذم أو القدح الخطي، وشرطه أن يقع :
أ . بما ينشر ويذاع بين الناس أو بما يوزع على فئة منهم من الكتابات أو الرسوم أو الصور الاستهزائية أو مسودات الرسوم (الرسوم قبل أن تزين وتصنع)
.ب . بما يرسل إلى المعتدى عليه من المكاتيب المفتوحة (غير المغلقة) وبطاقات البريد .
4 –الذم أو القدح بواسطة المطبوعات وشرطه أن يقع :أ . بواسطة الجرائد والصحف اليومية.ب . بأي نوع كان من المطبوعات ووسائط النشر .المادة (190) :التحقير : هو كل تحقير أو أسباب – غير الذم والقدح – يوجه إلى المعتدى عليه وجهاً لوجه بالكلام أو الحركات أو بكتابة أو رسم لم يجعلا علنيين أو بمخابرة برقية أو هاتفية أو بمعاملة غليظة.
تأسيساً على ما سبق يشترك كل من الذم والقدح بفعل الاسناد لكن يختلف الذم عن القدح بان الذم عبارة عن اسناد مادة معينة على وجه التحديد والتفصيل وقد تفع على شخص طبيعي (انسان) او شركة او هيئة عامة رسمية او موظف عام وايضاً قد تقع على شخص ميت فينتقل بهذه الحالة الحق برفع الشكوى على المعتدي الى ورثة المعتدى عليه الشرعيين فمثلاً عندما:(يقول شخص زيد مبارح سرق بيت ابو محمد جارنا بالليل) ، سواء كان فعل سرقة وقع او لم يقع فيعتبر ذلك ذماً لان عندما اسند اليه هذه المادة نالت من كرامته واعتباره فتؤدي الى احتقار الناس وبغضهم وهذه هي العلة الجرمية من وراء تجريم فعل الذم حتى ولو كان هذا الاسناد في معرض الشك او الاستفهام فلو رجعنا الى المثال السابق فلو قال شخص: ( مبارح كأني شفت زيد يسرق بيت جارنا ابو محمد) فيعتبر ذلك ايضًا ذماً حتى ولو لم يذكر اسم المعتدى عليه بشكل صريح لكن من الممكن معرفته ضمنياً او ولو لم يذكر محل الاسناد بشكل صريح وواضح و قد تكون هذه الاسنادات مبهمة، لكن من الممكن معرفتها فمثلاً:( لو قال شخص مبارح عند شارع الجامعة شفت جارنا ناطط من سور)، فيعتبر ذلك ذماً وايضاً حتى لو لم يكن محل الاسناد جريمة يعاقب عليها القانون فمثلاً:(لو قال شخص مبارح سمعت زيد وهو يكذب على محمد وقاله انك انت كنت مسافر على تركيا او يقول شخص انت كذاب كذبت بخصوص سفرة تركيا على محمد)، أما القدح فهو اسناد مادة لكن ليس بوجه التحديد والتفصيل فمثلاً:(لو قال شخص لاخر انت سارق انت نصاب) فمن سرق وماذا سرق وعلى من نصب لم يحدد او يقول زيد سرق او زيد نصب وقد يقول انت كذاب او زيد كذاب فلم يحدد ماهية الكذبة أوعلى من كذب ، لكن يشترط لكل من الذم والقدح ان تقع بشكل علني سواء كان الاسناد وجاهي اي وجه لوجه مع المعتدى عليه او بغيابه سواء بالقول او بالاشارة او بالحركات او بشكل خطي فجرائم الذم والقدح والتحقير تعتبر من الجرائم التعبيرية، وهي جرائم شكلية و جرائم مقصودة لا تقع بشكل غير مقصود او بالخطأ فالفاعل يريد فعل الاسناد وتتجه نيته الى القيام بذلك وهي من جرائم المقيدة بقيد الشكوى ، بالتالي جرم الذم والقدح يقوم على ركنين ركن الاسناد وركن العلانية ، الذم عقبوته اشد من القدح لانه عبارة عن اسناد مادة معينة على وجه التحديد ، اما جرم تحقير هو عبارة عن اسناد مادية معينة ذم او اسناد مادة غير معينة قدح لكن يقع بشكل وجاهي امام وبوجود المعتدى عليه دون ان يقع يبشكل علني ، اي التحقير قد يكون ذم وقد يكون قدح لكن ما يميزه انه لا يقع الا بشكل وجاهي ولا يقع بشكل علني فمثلاً لو قال شخص لشخص انت كذاب امامه وبوجوده ودون وجود ناس (اي دون علانية ) او قد يكون التحقير بالمعاملة الفضة الغليضة فمثلاً لو امسك شخص بيده واخرجه من منزله رغماً عنه او مثلاً بزق عليه وايضاً قد يقع التحقير على شخص طبيعي او على شركة لكن لا يقع على شخص ميت لانه يجب ان يكون شخصياً وجاهياً وجريمة تحقير ايضاً جريمة مقصودة و وجريمة شكلية ، فشدد المشرع عقوبة كل من الذم والقدح والتحقير اذا وقعت على موظف عام او على هيئة عامة رسمية ( ظرف مشدد) ، وراعى المشرع ايضاً في تنظيمه لأحكام هذه الجرائم خصوصية الضرر المترتب عليها، فقد قيد المشرع تحريك دعوى الحق العام المتعلقة بهذه الجرائم باتخاذ صفة الادعاء بالحق الشخصي ( أي المطالبة بالتعويض المادي او المعنوي جراء هذه الجرائم )اذ كانت واقعة على موظف عام او على هيئة عامة رسمية عملاً بأحكام المادة (٣٦٤) من قانون العقوبات ( الإدعاء بالحق الشخصي الوجوبي ) أما بخصوص عقوبة كل من الذم والقدح والتحقير التقليدية فهي عقوبات جنحوية ( إختصاص محكمة صلح جزاء ) .
أما فيما يتعلق بنص المادة (١١) من قانون الجرائم الالكترونية الذي تناول جريمة ( الذم والقدح والتحقير الالكتروني) والذي جاء فيه ما يلي : (يعاقب كل من قام قصدا بإرسال او اعادة ارسال او نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية او الموقع الالكتروني او اي نظام معلومات تنطوي على ذم او قدح او تحقير اي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر وبغرامة لا تقل عن 100 مائة دينار ولا تزيد على 2000 الفي دينار).
نستنتج من النص ان المشرع قد حدد صور السلوك الجرمي والوسيلة المرتكبة ( وسيلة الكترونية ) قد تقع اما على شبكة المعلومات او على نظام المعلومات او على الموقع الالكتروني ( فيس بوك، واتس اب وغيرها من المواقع الالكترونية ) و حددت أيضاً العقوبة( بعقوبة جنحية ) فمثلاً : لو شخص ارسل وعندما نقول ارسل اي من الارسال اي الى شخص او اشخاص محدديين فلو ارسل رسالة على واتس اب او ماسنجر تنطوي على ذم او قدح او تحقير فمثلاً:( لو ارسل محمد لاحمد على واتس اب انت سارق) يعتبر ذلك تحقيراً او يرسله على بريده الالكتروني الخاص به على (الايميل ) او قد تقع بالنشر وعندما نقول نشر اي الى اشخاص غير محديين الى العامة والكافة فمثلاً:( لو نشر شخص بوست على فيس بوك ينطوي على ذم او قدح او بإعادة الارسال اي المشاركة اعادة ارسال بوست ينطوي على ذم او قدح ) فهذه هي صور السلوك الجرمي التي حددتها نص المادة ( الارسال او اعادة الارسال او النشر ) ، هذه الجرائم جرائم مقصودة لا تقع بصورة الخطأ اي لو أخطأ شخص وارسل عبارة تنطوي علو ذم او قدح مثلاً عبر الواتس اب لا يقصدها .
و في العديد من القرارات الحديثة لمحكمة التمييز فقد اعتبرت جرائم الذم والقدح والتحقير الالكتروني من الجرائم غير المعلقة على اتخاذ صفة الادعاء بالحق الشخصي ، فذهبت في قرارها رقم (٢٠١٩/٦٤٨) : ( إلى أن جرائم الذم والقدح والتحقير من الجرائم التي لا تتوقف الملاحقة فيها على اتخاذ صفة الادعاء بالحق الشخصي).
Comments